آمال حاجي 20 مايو 2013


على مرِّ الأيام، علمتني الحيَاة أنَّ الناسَ نوعَان، أناسٌ قليلو الكَلام، وأكثرُ مَا يمكنك أن تسمعه منهم مُجرَّدُ جُملٍ اضطِرارية، أو بضعُ إشارَات بالأيدي، كجَواب يُخفِي في طيَّاتِه كلمَة واحِدة "أصمُت". وآخرونَ لا يعرفونَ للصَّمت مسلكًا، وأكثرُ مَا يمكنكَ أن تسمعَه مِنهم مجرَّد كلامٍ فَارغ ومبعثَر، لا معنَى له ولا محَل، وكثيرًا مَا يتبَادر إلى ذهنِك أنهم يتنفسُون بدلَ الهوَاء سخَافةً، وقليلا مَا تعذرهم فربمَا كَانوا ممَّن يؤمِنون بأنَّ المَرء إذَا لم يُسمَع لم يرَ، وبأنَّه إذا تكلَّم، ومِنَ الثرثرة أكثَر، سيَفوز بمحبَّة الناسِ ويكسبُ ودَّهمْ.

أنهِكت نفسِي ومِن ثرثرتِهم تعِبتْ، وَكأنني حالة شاذة لا يقاس عليها، وسط أناس تقاسَموا سِمة الثرثرة بِالتسَاوي، حتى أنَّ المَكان إذا مَا اجتمعوا فيه أصبحَ عنوَانًا لضجِيجٍ لا يطَاقُ، وَلا ينتَهِي، ومَا يكون عليَّ إلا أنْ أحمِل أفكَاري المُنهَكة لأبحثَ عن مكانٍ أعتزلُ فيهِ.

حقيقةً، لا أدري إلى أيِّ النَّوعين أنتمِي، فأنَا قَد أُمضِي أيامًا لا أنطِق بِها إلا للتحيَة،  وقد يَأتي يومٌ أقولُ فيه كلَّ شَيء لشخصٍ يعنينِي أنْ يسمَع صَوتي ويتذكّره، لكنِّي في الأيَّام التي أصمتُ فيها أفكّر كثيرًا، وأتعَب بأفكاري أكثَر، ويبقَى السؤَال الذي يُلازمني، هل الذين قرَّروا يومًا التخلِي عنِّي أو إغضَابي، سيفعَلون ذلِك لو أني شَابهتُهم؟ هل كانت الثرثرةُ ستنقذني مِن مشكِلة مَا أو سَتدافعُ عنّي أمَام مَن أسَاء لي؟  حقًّا أنا لا أدري، ولا أعلم هل أنا أكثر حظًّا من غيري لأن كفّة الأفكار لدي، أثقل من كفّة الكلام...