آمال حاجي 10 أغسطس 2010


لكل مجتمع عربي وإسلامي طريقة يستقبل بها شهر رمضان الكريم، خاصة وأنه شهر الخيرات والبركات، ولهذا سنحاول التعرف على العادات والتقاليد المتنوعة التي تميز الأسرة الجزائرية والتي تعود لما يملكه من تعدد وتنوع ثقافي... فبالإضافة إلى أن الشهر الفضيل يأتي برابع أركان الإسلام ألا وهو الصوم فهو أيضا جزء من الثقافة والموروث الاجتماعي... فشهر رمضان... شهر الصيام والعبادة... شهر التراحم والتآزر... ولا تجد بيتا يخلو من جو رمضان شعائره.

قبل حلول هذا الشهر المبارك تبدأ الأسرة الجزائرية بالتحضير لاستقباله ... فمنهم من ينظف البيت تنظيفا كاملا ومنهم من يعاود طلاء غرف المنزل... وتسارع ربات البيوت لتحضير الأواني الجديدة من أكواب وصحون و مفارش جديدة لطاولة الطعام وما إلى ذلك من تحضيرات ترحيبا بشهر رمضان الكريم ... دون أن تنسين اقتناء التوابل مسبقا خاصة ما يعرف بـ (راس الحانوت) وهو مزيج من التوابل كالفلفل الأحمر والكسبرة و الكمون و الفلفل الأسود و القرفة...الخ
ويستعمل (راس الحانوت) في تحضير الأطباق الجزائرية الشهية كالشوربة التي لا يخلو أي بيت جزائري منها على تعدد أصنافها وطرق تحضيرها ولا يؤكل هذا الطبق إلا بالبوراك وهو لفائف من العجين الرقيق جدا والجاف وهو ما يعرف بالديول (الرقاق) المحشي باللحمة المفرومة أو الدجاج أو بطحين البطاطس والسبانخ ومنهم من يتفنن في إعدادها بالسمك و الجمبري... ومن هنا يظهر شغف الجزائريين بتحضير مائدة رمضان متميزة مخصصين لها ميزانية مالية معتبرة.

وتجدر الإشارة إلى أن مائدة رمضان تختلف من منطقة لأخرى حيث نجد في الشرق الجزائري كعنابة، الطارف و حتى قسنطينة أن النسوة تشترين القمح لتطحنه بنفسها... كما لا تنسى ربات البيوت في الشرق الجزائري اختيار دقيق خاص لصناعة الديول المستعمل في تحضير البوراك، ويقول أهل قسنطينة أن أحسن أنواع الدقيق هو الذي يتصمغ... طبق (اللحم الحلو) _المكون من البرقوق أو المشمش المجفف والزبيب ،اللوز والتفاح والمطبوخ مع اللحم وقليل من السكر_ ضروري عند أهل سطيف في أول أيام رمضان حتى يحلي رمضانهم ولكنه اقل أهمية من شوربة الفريك والتي تسمى أيضا في الشرق بالجاري إلى جانب البوراك الذي يحضره أهل عنابة والطارف وتبسة والولايات المجاورة على طريقتين: ملفوفا كالسيجار أو مربعا على الطريقة التونسية. وتتفنن ربات البيوت في تنويع أطباق مائدة رمضان من سلطات وطواجن وكباب ودولمة ومحشي وكفتة ... أما في غرب البلاد فتقوم ربات البيوت بترقيد (تخليل) العديد من المواد مثل الفلفل الحلو و الطماطم والزيتون كما يشترون الخضر ويحفظونها في البراد. وتتخذ الشوربة في غرب البلاد لونا و طعما مميزا و تسمى بالحريرة وتحضر بالخضر و(دشيشة الشعير) ومن عادة غالبية العائلات في وهران أن يفطر الصائمون بالحليب والتمر ويتناولون الحريرة بالبوراك بعد آذان المغرب ثم يتناولون العشاء بعد صلاة التراويح. والغرب الجزائري مشهور بمزج الحلو والمالح (الحادق) كالبسطيلة مثلا .

فيما يخص منطقة القبائل فيبدأ أهلها رمضانهم بإحياء عادة تضامنية خلال " لوزيعة " ففي اليوم الذي يسبق أول رمضان تقام في عدد من مناطق القبائل سوق خاصة برمضان أو (تسويقت) يستغلها سكان (تادارث) أو القرية في شراء عجل أو عدد من الخرفان يشترك كل بيت لديه مدخول في جمع ثمنها بحسب عدد الرجال البالغين في كل بيت و تذبح المواشي ليقسم لحمها على جميع البيوت. و من عادة أهل بجاية إعداد (سكسو) أو الكسكسي في اليوم الأول لرمضان وتتنوع الشوربة في بلاد القبائل بين شوربة الفريك و شوربة فيرميسال حمراء بلحم الخروف أما الطبق الثاني فهو زيتون بالدجاج أو كباب أو خرشوف باللحم و من الأطباق الشهية الخاصة بهذه المنطقة بالخصوص في الصحور طبق المسفوف بالزبيب.

تزين قعدات البوقالات سهرات العاصميين وسكان المناطق المجاورة كالبليدة وتيبازة وهي خاصة بالنساء حيث يجتمعن في بيت واحد منهن على مائدة مزينة بمختلف أنواع الحلوى المحضرة كالمحنشة، الصامصة القطايف والمقروط ، قلب اللوز و الزلابية مع الشاي والقهوة لتبادل إطراف الحديث ثم يأتي موعد قراءة البوقالات أو الفال، حيث يؤخذ إناء مملوء بالماء و تضع فيه كل واحدة منهن خاتمها وتمسك شابتان الإناء بواسطة السبابة اليمنى و اليسرى، وبعد أن يعقد الجميع تقرأ البوقالة وتغمض إحداهن عينيها لتخرج خاتما من الماء و تكون بذلك البوقالة المقروءة فال صاحبة الخاتم.

وفي هذا الشهر الكريم ، تتكفل جمعيات الهلال الأحمر الجزائري عبر كامل التراب الوطني بإقامة موائد الرحمة لكل الفقراء والمساكين وعابري السبيل الذين يتعذر عليهم الإفطار في جو أسري ،كما تتكفل الجمعيات الخيرية طيلة الشهر بتوزيع قفة رمضان وهي عبارة عن مجموعة من المواد الغذائية التي توزع على الأسر المحتاجة.

و ما يميز هذا الشهر الفضيل امتلاء المساجد بالمصلين الذين يؤدون الصلاة وصلاة التراويح وتلاوة القرآن الكريم، فتقام مسابقات لحفظ القرآن و ترتيله واحتفالات دينية بالمناسبة تمتد إلى ليلة القدر المباركة التي تحظى بالاهتمام الأكبر وينتظرها كل الجزائريين ... بشوق ومحبة وقد شاع في الجزائر في السنوات الأخيرة ختان الأطفال في السابع و العشرين من الشهر الفضيل باعتبارها ليلة مباركة. ومن عادات الجزائريين في هذا اليوم أيضا هو دعوة أهل الفتاة لخطيبها وأهله للإفطار معا، وهي فرصة للتقريب بين العائلتين قبل الزواج، ويقدم فيها الرجل لخطيبته هدية تدعي "المهيبة " (تحوير لكلمه هبة) عادة ما تكون خاتما أو إساورا من ذهب، أو قطعه قماش رفيع.

تظهر الأهمية التي يوليها الجزائريون لصيام أبنائهم لأول مرة قيمة رمضان لديهم ، حيث يعد ذلك حدثا خاصا لديه طبعة متميزة عند اغلب العائلات الجزائرية. و من عادة بعض مناطق الغرب الجزائري كتلمسان أن يرافق الطفل الصائم لأول مرة أحد أقاربه كخاله أو عمه أو حتى والده ليتجول معه في الأسواق و يشتري له ما اشتهاه من المأكولات و الحلوى ليفطر عليها. ويصل الحد في مناطق الجنوب الجزائري إلى ذبح خروف و إقامة وليمة يدعى فيها الأهل و الأقارب بمناسبة صيام الابن الصغير لأول مرة. وحين يأتي موعد الآذان و الإفطار تختلف عادات العائلات في الطريقة التي يفطر بها الصائم الصغير ففي الجزائر العاصمة ووسط البلاد يشرب الطفل الشاربات المحضر بالماء والسكر وماء الزهر وعصير الليمون و هو متكئ إلى حائط أو عمود مستقيم وسط ارلدار وذلك من أجل الفال ليكون الطفل مستقيما في حياته وقويا على الصيام. والنسبة للفتاة يوضع خاتم أو اسوارة من ذهب داخل كأس الشاربات الذي تشربه حتى يكتب لها الخير الكثير في حياتها. أما في منطقة القبائل وبعض جهات الشرق الجزائري فيفطر الصائم الصغير في أعلى مكان في البيت وعادة فوق سطح المنزل وذلك يرمز إلى علو شأنه ويقدم له في منطقة القبائل الكبرى البيض المغلي ( المسلوق )الذي يدل على خصوبة الحياة.

إلى هنا نأتي إلى ختام جولتنا التي قادتنا إلى أجواء رمضان في الجزائر ... أعاده الله علينا جميعًا بالخير واليمن والبركات.

2 التعليقات:

Unknown يقول...

مقال هااااااااااااااااااايل
فعلا مقال جميل جدا تعرفت فيه على ثقافة رمضانية مختلفة جذبتني كثيرا
دمت مبدعة دائما وأبدا

آمال حاجي يقول...

هي ثقافة رمضانية من بين ثقافات عديد،
وهي إن اختلفت قليلا أو كثيرا، إلا أنها تشترك في عادات كثيرة تجمعها بباقي الثقافات الرمضانية لبلدان العالم العربي المسلم...
دمت وفيًّا

إرسال تعليق