آمال حاجي 04 نوفمبر 2011

الكاتبة عايدة بــدر

حرف ينبض حبًّا وكلمة تسكن السماء


عاشقة تسكن السماء، تبحر بحرفها وتأخذ قراءها في عالم وردي، تزينه أجمل المعاني. تتذكر طفولتها، فتطفو أحلامها التي قادتها لعالم الحرف والكلمة. أردنا التعرف عليها أكثر، فكانت لنا معها هذه الدردشة الراقية.

* بعيدًا عن عالم الأدب والخواطر الوردية، من هي عايدة بدر؟

عايدة تسكن السماء وتعشقها لذلك تتخذها مسكنا لها... لكن بما أننا على الأرض الآن، فأنا عاشقة للحرف المقروء والمكتوب... أحب القراءة وأعشق الكتابة سواء كان حرفي أو حرف غيري... سنواتي باختصار محصلتها دراسة للغة الفارسية وآدابها وتخصصت في مرحلة الماجستير في الأديان، والآن أدرس لنيل الدكتوراه.

* في مرحلة الطفولة تكثر الأحلام وتعدد ألوانها، بمَ كانت عايدة تحلم؟

كثيرة أحلام الطفولة ومبهجة، وعالم الطفولة عالم ثري وواسع الخيال يتيح لك أن تكوني فيه كل شيء.. أتذكر مثلا حلما لي بأن أكون طبيبة عيون وحتى الآن لا أعلم سر انجذاب طفلة صغيرة لهذا التخصص لكنه كان أحد أحلام الطفولة مثلا... ربما حلمي بأن يكون لي رسالة أستطيع أن أصل بها للناس من خلال ما أكتب هو الحلم الأقرب لما حاولت وأحاول تحقيقه الآن لذلك كانت تسيطر علي رغبة فعلية في ممارسة الكتابة و أظن أني بدأت التدرج الصحيح في سلم الكتابة بالقراءة منذ أول سنوات حياتي المبكرة جدا.

* شغفك بالقراءة منذ الطفولة كان له الأثر الكبير في دخولك عالم الكتابة والإبداع الأدبي؟

فعلا، بدايتي مع عالم الكتابة كانت عن طريق القراءة، وهي الخطوة التي أراها يجب أن تسبق الكتابة، وفي عالم القراءة لابد وأن يقضي الإنسان قدر ما يستطيع للنهل من كنوز النصوص والكتابات... بدأت في سن صغيرة جدا بقراءة عيون الروايات المترجمة العالمية عن اللغات الأجنبية قبل أن أقرأ الروايات والأعمال العربية، وربما كان لهذا الأمر شأن معي فيما بعد، تعرفت منه إلى عوالم أخرى بعيدة لا نعرفها، فتحت أمامي عوالم بعيدة، وأضافت إلى ما أتمتع به من خيال مساحات أخرى ساعدتني -ولا تزال- في تكوين رؤيتي للآخر.

أما الشعر فكان أول ما قرأت في سني هذه وكنت لا أزيد عن العاشرة من عمري، كانت أنشودة المطر لبدر شاكر السياب بالطبع كـطفلة صغيرة لم أفهم الكثير من معانيها وقتها، لكن لن أنسى أن هذا الشاعر هو من ترك في نفسي بصمة حبي للشعر، فعرفت من خلال أنشودته ما هو الشعر. قديما كانت هناك مجلة تصدرها وزارة الثقافة لا أدري هل ما تزال تصدر إلى الآن أم لا بعنوان "مجلة الشعر" كانت الأعداد القديمة منها هي ما أقرأ، ومن خلالها تعرفت إلى السياب، والبياتي، وبلند الحيدري، وصلاح عبد الصبور، وأمل دنقل... وغيرهم كثيرين من رموز الشعر والأدب. لم أفهم في البداية كل ما أقرأ ولكن لأني أحببت هذا العالم الساحر الذي كنت أنتقل معهم إليه، فقد كان كل همي ألا أغادرهم، استمتعت بصحبتهم جميعا، وكلما نضجت سنا كلما صاحبتهم أكثر، فتعرفت إلى أعلام الأدب العربي من الروائيين والشعراء مع استمرار حبي لقراءة الأعمال المترجمة، فكان ذلك دافعا ليخلق بداخلي حبا لدراسة اللغات التي كنت أقرأ أعمال أدبائها مترجمة للعربية.

* ما هي الكتب التي تثير فضولك؟

فكرة الكتاب في حد ذاتها مثيرة بالنسبة لي، وربما أكون تقليدية، فأنا لا أعترف بالكتاب إلا إذا ضممته بين يديَّ، لذلك مهما تعددت وسائل النشر يبقى الكتاب هو ما ألمسه وأشم رائحته، وتتفتح له مسام روحي... أما الكتب التي تثير فضولي فربما أحب كتب الفكر والفلسفة بعيدا عن كتب الأدب، والشعر، والنثر... كتب المعرفة العامة... باختصار أقرا أي شيء يقع تحت يدي حتى إن كان في غير تخصصي، وإن لم أفهم محتوياته كاملة لكن أحب المعرفة و أسعى إليها.

* لكِ عالم وردي خاص تسبحين في تفاصيله، حدثينا عنه؟

لي عالمي الخاص الذي أعشقه فعلا، ودائما ما أرمز إليه باسم الإشارة "هناااكـ" حتى أصبح أحد الرموز الخاصة بي، وهناااكـ هو العالم الأقصى، البعيد عن كل ما يمت للأرض بصلة... عالم روح وجسد كما ينبغي أن يكون – بالطبع كما أراه أنا– كما ترينه هو عالم وردي يعشق اللون و يقدسه و يتخذ من الحرف منهجا له ومن الروح دعامة... هناااكـ لا يوجد غيرنا أنا والحرف والروح بما فيها نمارس طقوس عبادتنا و توحيدنا للإله كما نراها... اتخذنا من الهناااكـ مكانًا قصيًّا بعيدًا عن ضوضاء البشر وضجيج أفعالهم...

* إذا قلنا "تعويذة عشق" فماذا ستقولين؟

"تعويذة عشق" كان أول إصدار لي تشاركنا أنا والمبدع "محمد طاهر" في وضع حروفنا السابحة في الخيال و التي كانت مجرد حروف نكتبها؛ لأننا نشعر بأنها يجب أن ترى النور حتى وإن كان على بياض الورق... كانت خيالا ثم أصبحت حروفًا، وأخيرا أصبحت أول نصوصنا المطبوعة التي ترى النور ونلمسها بين أيدينا... كانت ولا تزال تجربة رائعة خاصة أنها كانت مشتركة، فحتى تتمكني من توظيف حرفين مختلفين ليشكلا منهاجا واحدا، ليس بالأمر السهل ولا بالبسيط، ولكن تمكُّن الحرف المقابل ورونقه يجعلكِ لا تفكرين في الأمر على أنه مغامرة بل تتأكدين أن المكان الذي وضعتِ به حروفك مكان متميز جدا... فكانت "تعويذة عشق" فرعي نهر تم التقائهما ليشكلا نهرًا واحدًا... وقد سعدت حقا بالعمل مع الرائع "محمد طاهر" أخ وصديق على المستوى الإنساني، وشريك للحرف على مستوى الكتابة.

* كيف كانت بداية هذا المولود الأدبي؟

كانت البداية بحلم، والحلم هنا كان حلمًا حقيقيًّا، رأى فيه أخي طاهر أننا نوقع عقدا لكتاب، وعندما أخبرني قلت لابد وأنه كان يحلم فعلا، فلم يكن أمر النشر في ذهني أنا على الأقل، كنت أظن بصعوبة الأمر وأرى أن نصوصي لا تزال تحتاج إلى خبرة أكثر وعناية أكبر، ولكن أمام إصرار الحلم الذي بات يلح عليه، وأمام تعاونه بقيامه بالمراجعة اللغوية لنصوصي، وقراءتها، وتشجيع أصدقائي ممن كنت أقرأ لهم ويقرؤون لي في المواقع التي أكتب بها، فكرت في خوض المغامرة، وكانت مغامرة حقا لكونها المرة الأولى التي يواجه فيها حرفي جمهورًا آخر غير أصدقائي والمقربين والحمد لله أرى أن النتيجة كانت مرضية جدا لأنها أزالت من نفوسنا حاجز الخوف من مبادرة النشر للمرة الأولى.

* التجربة الأولى فتحت شهيتك لإصدار ثانٍ تمخض عنه ولادة تراتيل الصمت والمطر، أعطنا فكرة ولو بسيطة عن كتابكِ على الأقل للقارئ العربي الذي لم يصل إليه الكتاب؟

نعم كانت التجربة الأولى وإزالة حاجز الخوف من فكرة النشر، وما شعرت به من نضج لحرفي هو ما شجعني بالإضافة إلى تشجيع أصدقائي إلى فكرة تكرار تجربة النشر فكانت نصوص "تراتيل الصمت والمطر" وهي في مجملها نصوص نثرية مقسمة لخمس مجموعات، تضم كل مجموعة نصوصًا تشكل وحدة الفكر والمضمون، وترتبط بشكل وثيق بالعنوان فأنا أراها تراتيلًا روحية خرجت من أعمق نقاط روحي، أتحدث في بعضها عن فكرة الخلود وفي بعضها الآخر عن فكرة الصمت وفكرة المطر والأحلام وهناك مجموعة بعنوان إليك أنت... تتراوح في شكلها بين النصوص الفلسفية و بين النصوص الوجدانية لكنها في مجملها تعبر عن شيء مهم بداخلي و لذلك كان اختياري للعنوان حيث تشكل هذه التيمات من الصمت والمطر مفردات روحي و ذاتي أما تراتيل فهي لغتي التي أحب.

* ما هي الصعوبات التي يواجهها الكاتب برأيك؟

لعل أهم الصعوبات التي يواجهها الكاتب هي كيف يخرج إبداعه للنور فأمر النشر ليس أمرا سهلا سواء من حيث التكلفة المادية أو الاستعداد الروحي و النفسي للكاتب لكي يخرج أعماله للنور .. لكن قبل أن يفكر الكاتب في عملية النشر فلابد من الاعتراف بأمر هام و هو أين المبدعين الذين يراعون الكتاب ويقومون بتوجيههم و تقديم يد العون لهم.. لا أقول أن الكاتب طفل صغير يحتاج إلى رعاية و عناية و لكن إبداع الكاتب هو طفل صغير يحتاج إلى توجيه دون تدخل فيه و عناية و رعاية نقدية بناءة لا تهدم و لكن توجه و تبني الحرف ثم يأتي دور المؤسسات الثقافية التي يجب أن تتبنى أمر النشر و التوزيع.

* هل يستفزك النقد؟

على العكس لا يستفزني أنا بل يستفز حرفي و يجعلني أرنو إلى الأفضل و أتطلع إلى مزيد من ألق الحرف خاصة و أنا أعشق ما أكتب لأنه يخرج من روحي حاملا جزء منها... و النقد البناء الذي يهدف إلى بناء حرفي أرحب به جدا و حتى النقد الهدام كما نقول لا يستفزني أعتبره وجهة نظر أخرى أحترمها فليس ممكنا أبدا أن يتفق جميع البشر على اتخاذ موقف مماثل من أمر ما... فكما تختلف أذواق البشر باختلاف طباعهم.. تختلف بالتأكيد رؤيتهم للعمل و أنا في جميع الأحوال أحترم الرأي و الرأي الآخر.

* ما رأيك في الكتَّاب الشباب الذي أصدروا أول كتبهم انطلاقا من مدونات أو من وقائع حياتية صاغوها بطرق ساخرة؟

أقول لك أمرا هاما في نظري أن أي حرف يكتبه الإنسان هو في نظري حرف مقدس لأنه لا يخرج بسهولة و هو حرف يحمل جزء من روح صاحبه فكيف لا يكون مقدسا و من يطبعون كتبهم من خلال مدونات شخصية و مواقع حياتية بالتأكيد لديهم ما يودون قوله و لكن بطريقتهم الخاصة فطالما كان تقديم ما يودون قوله لا ينافي الحياء العام و لا يخدش الكرامة فلا مانع مما يكتبون خاصة إذا راعوا فيه قواعد اللغة التي يعتمدونها فاللهجة الدارجة أيضا لها قواعد و أصول يجب مراعاتها حتى لا تفقد كتابتهم جمالها و رونقها و بالتأكيد فكلنا حريصون على أن نصل للآخرين في أفضل صورة ممكنة لا نتجمل و لا نكذب نقدم أنفسنا كما نحن و لكن بمراعاة الآخرين أيضا.

* بعد تجربتين ناجحتين في عالم النشر، ما الذي تعدُّه عايدة لقرائها؟

بعد تجربتين كانتا في النصوص النثرية التي أعشقها حقا و أجد نفسي فيها رغم حبي للشعر الفصيح الموزون... ربما يكون العمل القادم في القصة القصيرة جدا ذلك القالب الذي يراه البعض شكلا حديثا و متطورا من أشكال القصة و إن كان في حقيقته شكلا قديما كان معروفا من قبل و لكن بغير ذات الاسم... و هو من الأشكال التي أحب الكتابة فيها و لي بعض أعمال قمت بتقديمها في أكثر من موقع الكتروني و الحمد لله فقد حازت على استحسان الكثيرين ربما هذا ما يشجعني على خوض غمار نشرها لتكون مغامرة أخرى في النشر بالنسبة لي.

* تخيلي أن كل العالم ينصت لكِ؟ ماذا ستقولين له ؟

إذا أنصت العالم كله لي فلن أزيد عليه عناء الاستماع خاصة و نحن نعيش عالم الضجيج و لكن أقول أننا خَلق واحد تعددت أشكالنا و ألواننا.. تميز بعضنا و تأخر البعض.. نلنا من الحياة على تفاوت أقدارنا و كانت هذه هدية السماء لنا و لكننا نملك في أيدينا أمرا لا تستطيعه لنا السماء و هو المحبة بين البشر... كيف نكره بعضنا البعض و نظلم و نجور و نحارب.. الإنسان أضعف مخلوقات الإله و لأنه ضعيف فلا يملك إلا محاربة الكائن الضعيف مثله لذلك كانت الحروب في أغلبها دليل ضعف البشر وانتكاساتهم وعندما ننظر حولنا و نجد العالم الآن يحتضر فذلك إيذانا ليبدأ عهد جديد عهد الإنسان حيث سيتحول الجميع إلى مجرد أدوات تؤدي ما قدره لها أداة مثلها... على الإنسان أن ينتبه إلى أن عمر البشرية قارب الزوال و هو لا يزال يفكر كيف يقضي على الضعيف مثله... لن يرتاح الإنسان و يستمتع بما أنجز من منجزات عديدة لأنه مشغول في التفكير كيف يقضي على نفسه أولا و على غيره.

* كلمة أخيرة؟

كلمة أخيرة ستكون بالتأكيد تقديم الشكر لك لهذا اللقاء الرائع بيننا ولأنك من هنا جعلتني أعيد اكتشاف ذاتي مرة أخرى و فتح أبواب لذكريات قديمة جدا و أخرى تتكون لتدخل في قاعة الذكريات لديّ من خلال هذا الحوار الرائع معك و الذي أشكرك عليه جدا وأحييكِ على طريقتك الرائعة في طرح السؤال... يعرف كيف يستخرج ما بداخل النفس بكل سلاسة... تحياتي لكِ و للجميع، مع التقدير.

حاورتها: آمال.ح

0 التعليقات:

إرسال تعليق