آمال حاجي
28 أبريل 2010
رغم صغر حجم النملة، ودقة تفاصيلها، إلا أنها استطاعت أن تثبت مسؤوليتها وقوة إرادتها، وتمكنت من تقديم دروس مفيدة للإنسان على طبق من ذهب، وقد جاءنا القرآن الكريم ليحكي لنا قصتها مع نبي الله سليمان رضي الله عنه في سورة سميت باسمها (النمل) وما ذاك إلا لرفعة قدر هذا المخلوق وعظم شأنه يقول تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا}. القصة التي نسجت خيوطها نملة شجاعة، قدمت لنا كمًّا من الفوائد، وصاغت لنا مجموعة من القوانين العجيبة نلخصها في عشرة قوانين:
1. قانون (المصلحة العامة): فالنملة عمَّمت خطابها للجميع، وأخذت بعين الاعتبار مصلحة الجماعة، ولم يقتصر كلامها على من حولها من النمل أو عشيرتها الأقربين، مع أنه لا يستبعد أن يكون ثمة خلافات بينها وبين بعض النمل، ولكنها مع ذلك تجاوزت كل الأمور التي قد تكون عالقة بينها وبينهم النمل وخاطبت جميع النمل بنداء عام (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ).
2. قانون (الثقة بالنفس): فهذه النملة الصغيرة لم تقلل من شأنها، ولم تحتقر ذاتها، ولم تحدث نفسها أنها أقل من أن تنادي في النمل جميعًا، بل قامت بالمهمة، ووجهت الخطاب للجميع، ورأت أن عليها واجبًا يجب أن تقوم به، فقامت به دون هيبة أو وجل.
3. قانون (المسؤولية): ما كان هذا التصرف الرائع لولا وجود درجة عالية من الإحساس بالمسؤولية التي استشعرتها تلك النملة، فهي ليست ذات منصب، وربما كانت في أدنى الهرم التنظيمي في مملكة النمل، ومع ذلك تصرفت وكأنها المسؤول الأول عن قومها.
4. قانون (المبادرة): وتمثل ذلك في نهوضها بالأمر، وأداء واجبها دون انتظار الآخرين، أو حتى أخذ الإذن، فالوضع غاية في الحرج و لا يحتمل التأخير.
5. قانون (الإنجاز): إذا كانت المبادرة هي التفاعل، والتأهب، والإقدام على فكرة أو الاستعداد لأداء مهمة، فإن الإنجاز هو الانتهاء بتلك المهمة إلى دائرة العمل، والتنفيذ، والتمام، وكلاهما (المبادرة والإنجاز) محور النجاح، وهو ما فعلته النملة تمامًا،فهي بادرت وأنجزت.
6. قانون (تقديم الحلول): على الرغم من أن الأمر قد فاجأ النملة وباغتها من حيث لا تحتسب، إلا أنها لم تكتفِ بالصياح والنواح، بل أضافت إلى التحذير والتنبيه تقديم حل مناسب بذهن حاد ودقيق وقالت دون تردد (ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ).
7. قانون (استشراف المستقبل): حيث التركيز التام والقدرة على تحليل المواقف، وقراءة الأحداث، والتأمل في العواقب، وقد أتى هذا في قولها: (لَا يحْطِمَنَّكُمْ) فبقاء النمل في أماكنهم وعدم التحرك السريع يعني فناءهم. وتجدر الإشارة إلى أن كلمة (يحْطِمَنَّكُمْ) حيرت العديد من العلماء، فكيف يتحطم ذلك المخلوق الصغير وهو مخلوق من مادة لا تتحطم! حتى جاء أحد العلماء الأستراليين الذي أجرى بحوثاً طويلة على النمل، ليكتشف أن النمل يحتوي على نسبة كبيرة من مادة الزجاج، ولذلك ورد اللفظ المناسب في مكانه المناسب.
8. قانون (اليقظة): غفلة صغيرة من أحد أفراد المجتمع قد يترتب عليها هلاك كامل ودمار ماحق لكافة أفراد المجتمع، ولربما انتباهه تحمي المجتمع وتصد عنه شرًّا عظيمًا، ومن دواعي الإتقان والانضباطية أن يكون كل فرد في قيامه بالدور المنوط إليه على أعلى درجة من درجات اليقظة والانتباه.
9. قانون (الاعتذار): وفي هذا الموقف قدمت لنا النملة درسًا مجانيًّا لهؤلاء الذين يداهمون النوايا، ويخترقون القلوب، ويتهمون الضمائر وقد امتهنوا سوء الظن والقذف بالغيب، وقد أتى هذا المعنى الجميل في قولها: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) فقد أكملت ما جاء قبله لرفع التوهم، وهو ما يسمى عند أهل البلاغة (الاحتراس) وذلك من نسبة الطغيان والظلم لنبي الله سليمان.
10. قانون (الابتسامة): ما أروع الابتسامة إذا أتت من القوي للضعيف، ومن الكبير للصغير، ومن الحاكم للمحكوم، في وقت الكرب، وساعة الأزمات ،ولحظات الهول، وكذلك كانت ابتسامة نبي الله سليمان للنملة، ابتسامة تفيض عطفًا وحنانًا، وتترجم الإعجاب من جميل التصرف، وتخفف من شدة الموقف، وتعيد الأمن، والسلام، والسكينة إلى النفوس.
هي قوانين بسيطة، صاغتها نملة صغيرة؛ لنتعلم منها ونطبقها في حياتنا اليومية. عشرة قوانين كافية للسير قدمًا في هذه الحياة، بأخلاق سامية، وثقة عالية، ومسؤولية كافية لتحقيق أهدافنا المسطرة، والنجاح في الدنيا والآخرة، فاتخذ من النملة نموذجًا، ومن دروسها شعارًا.
نشر في مجلة رؤية مصرية
0 التعليقات:
إرسال تعليق