آمال حاجي 21 مارس 2010


مرض العصر يأسر عقول الشباب
إدمــــان الانتــــرنت... إلى متى؟ إضافة صورة

عالم الانترنت عالم شاسع في تفاصيله، نبحر فيه دون أن نبرح مكاننا، لنجد أمواجه المعلوماتية تسحبنا عبر صفحات عديدة، وروابط متشعبة، وعناوين مثيرة، تجذبنا تارة، وتثير فضولنا تارة أخرى... فكم مرة دخلنا إليه للبحث عن معلومة ما، أو خبر معين، لنجد أننا نغوص في متاهات يفرضها علينا التدفق الهائل للمعلومات، ما يقودنا للبحث عن أشياء أخرى لم تكن في الحسبان، وإن كانت عمليات البحث والقراءة مفيدة وإيجابية؛ لزيادة الخبرة والثقافة والإطلاع، فإن المثل يقول: "إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده" وهو ما يجعلنا نقف أمام تلك الحالة التي نطيل فيها المكوث لساعات طوال أمام جهاز الكمبيوتر والانترنت، ما يسبب بمرور بعض الوقت "إدمانًا". وتعتبر مشكلة إدمان الانترنت من المشاكل التي تتنامى بشكل كبير في جميع أنحاء العالم، وخاصة في مجتمعاتنا العربية بين شريحة الشباب والمراهقين، وكثيرًا ما نجد تبريرات وأسباب تفشي هذه الظاهرة تدور في فلك عدم توفر أماكن ووسائل ترفيهية تشغل وقت الشباب في أشياء أكثر إفادة.

اختلاف في التسمية لكن الظاهرة موجودة


يختلف العلماء في تعريف كلمة "إدمان" فيصر البعض على أن الكلمة لا تنطبق إلا على مواد قد يتناولها الإنسان، ثم لا يقدر على الاستغناء عنها، وفي حال استغنى عنها وجدناه يتعرض لأعراض نفسية ومشاكل بالغة وبالتالي لن يستطيع في أغلب الأوقات التخلص منها لوحده ما يتطلب منه اللجوء إلى برنامج مخصص للإقلاع عن تلك المادة، باستخدام مواد بديلة وسحب المادة الأصلية بشكل تدريجي كما هو الحال في أغلب حالات إدمان المخدرات.
في حين يعترض بعض العلماء على هذا المفهوم الضيق للتعريف، حيث يرون أن الإدمان هو عدم قدرة الإنسان على الاستغناء عن شيء ما، بصرف النظر عن هذا الشيء طالما استوفى بقية شروط الإدمان من حاجة إلى المزيد من هذا الشيء بشكل مستمر حتى يشبع حاجته حين يحرم منها.
وبصرف النظر عن التعريف واختلاف العلماء في التسمية، فإنه لا خلاف على أن هناك عددًا كبيرًا من مستخدمي الانترنت يسرفون في استخدام الانترنت حتى يؤثر ذلك على حياتهم الشخصية.
وتعتبر أستاذة علم النفس بجامعة بيتسبرج في برادفورد بالولايات المتحدة (كيمبرلي يونج) أول باحثة تهتم بدراسة تأثير الانترنت على الشباب، وأول من أطلق مصطلح "إدمان الانترنت" على الظاهرة منذ 16 سنة، وعرفته -آنذاك- بأنه استخدام شبكة الانترنت لأكثر من 38 ساعة أسبوعيا، وحسب ما جاء في دراسة لـ(يونج)، فإن 6% من مستخدمي الانترنت في العالم في عداد المدمنين.


أعراض تكشف عن الإدمان


ولأن لشتى أنواع الإدمان أعراضًا عادة ما تبدو واضحة على المدمنين، فإن لمدمن الانترنت أعراضًا هو الآخر تتلخص في حالة القلق والتوتر التي تصاحبانه في حال فصل الانترنت أو انتهاء تلك الخدمة، في حين يشعر بسعادة وراحة نفسية حين يعود لاستخدامه. ومن الأعراض الملاحظة على هذا المدمن أنه لا يحس بمرور الوقت حين يكون متصلا عبر الانترنت، فهو يحتاج إلى فترات طويلة لإشباع رغبته، كما أن جميع محاولاته للإقلاع عن هذا الإدمان غالبًا ما تبوء بالفشل، وكثيرًا ما يستخدم مدمن الانترنت هذه الوسيلة؛ ليتهرب من مشاكله الخاصة.


آثار سلبية تنخر الشخص المدمن


لا يخلو إدمان الانترنت من المشاكل التي تؤثر دون شك على الشخص المدمن، حيث يرى الدكتور (تاو) إن 40% من المصابين بمرض إدمان الانترنت يعانون من قصور في التركيز، واضطراب ناتج عن نشاط مفرط بشكل مرضي، واضطراب في الدراسة والواجبات المدرسية، ووجد أنه من الصعب على أي شخص عنده إدمان الانترنت إطاعة الأوامر في المدرسة، أو في البيت، أو حتى في مراكز العلاج من الإدمان. وحسب الدراسات التي أجريت حول هذه الظاهرة، فقد تم تصنيف الآثار الناجمة عنها إلى مايلي:
* مشاكل صحية: ولعلها من أكثر الآثار السلبية التي تصيب المدمن، إذ يعاني أغلب المدمنون من اضطرابات في النوم؛ بسبب الرغبة الشديدة في المكوث لساعات عديدة على الشبكة العنكبوتية، وهو ما يقوده للجلوس طوال ساعات الليل على الانترنت، وبالتالي لن ينام سوى ساعتين أو أقل، ويضطر للذهاب إلى العمل أو الدراسة والإرهاق بادٍ عليه، وهو ما يفقده التركيز، ويتسبب في التراجع في أداء المهام الموكلة له. كما يؤثر ذلك على مناعته؛ مما يجعله أكثر قابلية للإصابة بالأمراض، بالإضافة إلى أن قضاء المدمن ساعات طويلة دون حركة يؤدي إلى آلام في الظهر وإرهاق العينين.
* مشاكل أسرية: يسبب انغماس المدمن في استخدام الانترنت وقضاؤه أوقاتًا طويلة عليه في اضطراب حياته الأسرية، حيث يقضي المدمن أوقاتًا أقل مع أسرته، كما يهمل المدمن واجباته الأسرية والمنزلية، مما يؤدي إلى إثارة غضب أفراد الأسرة. كما تتأثر العلاقات الزوجية حيث يحس الطرف الآخر بالخيانة، وقد أطلق على الزوجات اللاتي يعانين من مثل هؤلاء الأزواج بأنهن أرامل الانترنت. ويعترف 53% من مدمني الانترنت أن لديهم مثل تلك المشاكل، وذلك طبقًا للدراسة التي نشرتها كيمبرلي يونج في مؤتمر مؤسسات علماء النفس الأمريكيين المنعقد عام 1997.
* مشاكل أكاديمية: كشفت دراسة (كيمبرلي يونج) أن 58% من طلاب المدارس المستخدمين للانترنت اعترفوا بانخفاض مستوى درجاتهم وغيابهم عن حصصهم المقررة بالمدرسة، ومع أن الانترنت يعتبر وسيلة بحث مثالية، فإن الكثير من طلاب المدارس يستخدمونه لأسباب أخرى كالبحث في مواقع لا تمت لدراستهم بصلة أو كالثرثرة في حجرات الحوارات الحية أو كاستخدام ألعاب الانترنت. مشاكل في العمل: بسبب وجود الانترنت في أماكن العمل، يحدث في بعض الأحيان أن يضيِّع العامل بعض وقت عمله في اللعب على الانترنت، أو استخدامه في غير موطن تخصصه، ويشكل ذلك مشكلة أكبر إذا كان العامل مدمنًا للانترنت، ولحل تلك المشكلة يقوم بعض رؤساء الأعمال بتركيب أجهزة مراقبة على شبكات الكمبيوتر في محل عملهم؛ للتأكد من استخدام الانترنت في مجال العمل فقط.



علاج إدمان الانترنت


إدمان الانترنت مثل أي إدمان آخر، له درجات ومستويات وعلى أساسها يتم العلاج، ففي حالات الإدمان المبكر يتم العلاج:
- بمعرفة السبب، بمعنى ما الذي يجعلنا نكثر من الإبحار في الشبكة، وهل نرى فيها وسيلة للهرب من المشاكل اليومية؟
- وضع الحدود وتنظيم الوقت: بمعنى أن نحدد كم من الوقت نجلس متصلين بالشبكة العنكبوتية. ويمكن استخدام منبه للتذكير بانتهاء الوقت المخصص لذلك.
- تنظيم فعاليات اجتماعية: إيجاد بدائل مثل الالتزام بدورات، ممارسة الرياضة، الالتقاء بالأصدقاء وغيرها من النشاطات التي تساعدنا في الخروج من العزلة التي يخلقها الانترنت وينميها فينا.
- الثقة بالنفس وإقامة علاقات اجتماعية مباشرة وجهًا لوجه.

في الأخير نتمنى أن لا نكون من هؤلاء المدمنين، وإن كنَّا كذلك فقد حان الوقت لوضع النقاط على الحروف للتخلص من آثار هذا الإدمان الذي لا ينفك ينخر قدراتنا ومواهبنا لا أكثر.

نشر في مجلة رؤية مصرية

هنا
.

0 التعليقات:

إرسال تعليق