آمال حاجي 25 مارس 2010


تتوالى الأيام و السنين، وتندثر أجيال و تأتي أجيال أخرى، ويبقى لنا ما ورثناه عنهم ليشهد على طريقة عيشهم وتعايشهم في شتى مجالات الحياة. هذا الموروث الذي تحتل فيه الأمثال و الحكم جزءًا معتبرًا لا يستهان به ساهم من خلال كلمات بسيطة وعفوية في نقل العادات والتقاليد، وكذا جعلها صالحة لكل زمان ومكان فالأحداث تعيد نفسها، وكلما تكرر الحدث أتت سيرة المثل ... ومهما اختلفت هذه الأمثال بين الشعوب العربية إلا أنها تلتقي قي مضمونها باختلاف مصادرها أو ألفاظها .

المثل لغة ً يعني الشبه والنظير، وهو: القول الذي لكثرة جريانه على ألسنة الناس اكتسب قيمة تعبيرية خاصّة، جعلتهم - عند تشابه الحال - لا يجدون أبلغ منه لإيجاز ما بأنفسهم والتعبير عن مرادهم. أما اصطلاحًا فنجد العديد من التعريفات فمنهم من يرى بأنها:
"الجمل القصيرة والعبارات المختصرة التي تشبه القصة القصيرة، وتتحدث عن تجربة معينة مرَّ بها أشخاص في زمن معين، يتناولها الناس عندما يعيد الزمن نفسه على شكل مختلف من الناس بينما الوقائع التي قيلت فيها هذه الأمثال نعيشها في أي حقبة من الزمن" و هذا ما يوضح أنها صالحة في كل زمان و مكان.
ونجد من يعرفها على أنها: "كنز من التجارب الإنسانية التي مرت على المجتمعات من قديم الزمان من خلال حوادث ومواقف استطاع العقل البشرى أن يصوغها بجمل قصيرة ومكثفة الفكرة تنم عن استيعاب الإنسان لهذه الحالة وإدراكها والفطنة لها ثم صياغتها بطريقة أدبية وبلاغية " وهنا يمكن القول أن الأمثال الشعبية جاءت على أفواه البسطاء و تناقلتها جميع الطبقات، و رغم ذلك نجد أن لغتها دقيقة و تخدم بقوة المعنى المطلوب الوصول إليه أو الحدث المعبر عنه .
مهما اختلفت التعاريف فهي تلتقي في كون الأمثال الشعبية قول مأثور، تظهر بلاغته في إيجاز لفظه وإصابة معناه، قيل في مناسبة معيّنة، وأخذ ليقال في مثل تلك المناسبة.
وتعتبر الأمثال الشعبية من أبرز عناصر الثقافة الشعبية، وهي مرآة لطبيعة الناس ومعتقداتهم لتغلغلها في معظم جوانب حياتهم اليومية وهي لا تعكس المواقف المختلفة فقط بل تتجاوز ذلك أحيانا لتقدم لهم نموذجا يقتدي به في مواقف عديدة. كما تعتبر إحدى الخصوصيات الثقافية التي يتسم بها شعب دون الآخر أي قد ينفرد شعب ما بترديد مجموعة منها وقد يشترك فيها مع غيره من الشعوب مع وجود اختلافات بسيطة كل حسب أسلوبه ولهجته.
وقد امتازت الأمثال الشعبية بخصائص عامّة في بنيتها اللغوية والمعرفية ومنها:
  • أصالتها: فهي عربية المنشأ، مع أنها ليست بلفظها الفصيح، ذلك لتعلق الشعب بالقيم والأخلاق العربية الأصيلة حيث اكتسبت وتكتسب محتواها تاريخياً واجتماعياً. وأخذوا بعضها بلفظه، أو بمعانيه من الدين الإسلامي الحنيف أو من الأدب العربي القديم ( خدام الرجال سيدهم ).
  • واقعيتها: فهي تمتاز بواقعيتها التي أفضتها السيرورة في ما بينهم، ذلك لتميّز الحياة المجتمعية الريفية العربية عموما بالواقعية.
  • بلاغتها: كما تمتاز أمثلتهم بإيجاز اللفظ وتركيزه، وبإصابة المعنى ودقته وبُعد المغزى. (في الخفايا خبايا).
  • موسيقاها: لا تخلو الأمثال من الرشاقة اللفظية، ففيها جَرْس موسيقي وتناغم بين ألفاظها وتناسق بين الجمل، وتجانس بين الأحرف، والجمل والتراكيب، وتأتي موسيقى الأمثال إما على السجْع والفاصل، أو من اختيارها للأحرف المتجانسة ضمن الكلمات، والكلمات المتوافقة ضمن الجمل, كما تميّز بالتوازن فانقسم المثل إلى شطرين متوازنين مما جعل للجمل إيقاعا مناسبا فيزيد من جمالية ذلك السجْع . ( أبو عاهة ما يسلاها).
  • أغراضها: تعكس بصدق، مشاعر الشعب، وأحاسيسه، وآماله، وآلامه، وأفراحه، وأحزانه، وتفكيره، وفلسفته، وحكمته. ومن خلالها نستكشف آراءه في مختلف شؤون الحياة، وموقفه منها، ونظرته إلى الكون، وتفسيره لظاهراته. ومن هذه الأمثال ما هو مبني حول قصّة واقعيّة أو حادثة معروفة في التاريخ، وهناك أمثال كثيرة بنيت على خرافة أو أسطورة أو حكاية من حكايات العامَّة . وهناك من يصنف الأمثال وفقا للغة التي وصلت إلينا بها (فصحى أو عامية) أو وفق الغرض الذي قيلت من أجله (علمي، ديني، سياسي، اجتماعي، اقتصادي…)، أو مبني على أخلاقيات وضوابط اجتماعية تدفع بأفراد المجتمع لإتباعها لأن فيها الحكمة والنجاة والربح، وهي أحد وأعظم الأساليب التربوية المتبعة في التعليم والتي ترسم بمجموعها صورة في الوجدان الشعبي.

ندعـــوكم للاطلاع على بعــض الأمثال الشعبية العربية

من هنا

0 التعليقات:

إرسال تعليق